أبو هريرة
إعداد : نصر عبد الحافظ الحسين
كان رضي الله عنه يجيد فنّ الإصغاء، وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان يسمع فيعي، فيحفظ، ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفاً مهما تطاول العمر، وهاهو ذا يتحدّث ويقول: نشأت يتيماً ، وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني كنت أخدمهم إذا نزلوا، وأحدو لهم إذا ركبوا وهأنذا وقد زوّجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما ، قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر، فأسلم راغباً مشتاقاً ومنذ رأى النبي عليه الصلاة والسلام وبايعه لم يكد يفارقه قط إلا في ساعات النوم ، أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع أن يخدم به دين الله . لم يكن أبا هريرة كاتباً ، ولكنه كان حافظاً، وكان يملك هذا الفراغ ، أو هذا الفراغ المنشود، فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها ، وهو إذا رأى نفسه وقد أسلم متأخراً، عزم على أن يعوّض ما فاته، وذلك بأن يواظب على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مجالسته ثم إنه يعرف من نفسه هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه، وهي ذاكرته الرحبة القوية فلماذا اذن لا يكون واحداً من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله للأجيال..؟ وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته. فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، راح أبو هريرة يحدث، مما جعل بعض أصحابه يعجبون: أنّى له كل هذه الأحاديث، ومتى سمعها ووعاها.. هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فهو أولاً كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره.. وهو ثانياً كان يحمل ذاكرة قوية، باركها الرسول فزادت قوة. وهو ثالثاً لا يحدّث رغبة في أن يحدّث، بل لأن إفشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته ، من أجل هذا راح يحدّث ويحدّث، لا يصدّه عن الحديث صادّ، حتى قال له عمر يوماً وهو أمير المؤمنين لتتركنّ الحديث عن رسول الله ، أو لألحقنك بأرض دوس) على أن هذا النهي من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاماً لأبي هريرة، بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها ويؤكدها، تلك هي: أن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا، وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقرّ وثبت في الأفئدة والعقول.. من أجل هذا كان عمر يقولاشتغلوا بالقرآن، فان القرآن كلام الله) وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر، ولكنه أيضاً كان واثقاً من نفسه ومن أمانته، وكان لا يريد أن يكتم من الحديث والعلم ما يعتقد أن كتمانه إثم وبوار. وهكذا لم يكن يجد فرصة لإفراغ ما في صدره من حديث سمعه ووعاه إلا حدّث وقال . وعاش أبو هريرة عابداً ومجاهداً.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة. وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه امارة البحرين . وذات يوم اشتد شوقه إلى لقاء الله.. وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه، كان هو يلحّ على الله قائلاً: (اللهم اني أحب لقاءك، فأحب لقائي) وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة. ولبن ساكني البقيع الأبرار جثمانه الوديع مكاناً مباركاً وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته، كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم . ولعل واحداً من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله: لماذا كنّى شيخنا الراحل بأبي هريرة..؟؟ فيجيبه صاحبه وهو الخبير بالأمر: لقد كان اسمه في الجاهلية عبد شمس، ولما أسلم سمّاه الرسول عبدالرحمن.. ولقد كان عطوفاً على الحيوان، واكنت له هرة، يطعمها، ويحملها، وينظفها، ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله . وهكذا دعي : أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه
إعداد : نصر عبد الحافظ الحسين
كان رضي الله عنه يجيد فنّ الإصغاء، وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان يسمع فيعي، فيحفظ، ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفاً مهما تطاول العمر، وهاهو ذا يتحدّث ويقول: نشأت يتيماً ، وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني كنت أخدمهم إذا نزلوا، وأحدو لهم إذا ركبوا وهأنذا وقد زوّجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة إماما ، قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر، فأسلم راغباً مشتاقاً ومنذ رأى النبي عليه الصلاة والسلام وبايعه لم يكد يفارقه قط إلا في ساعات النوم ، أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع أن يخدم به دين الله . لم يكن أبا هريرة كاتباً ، ولكنه كان حافظاً، وكان يملك هذا الفراغ ، أو هذا الفراغ المنشود، فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها ، وهو إذا رأى نفسه وقد أسلم متأخراً، عزم على أن يعوّض ما فاته، وذلك بأن يواظب على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مجالسته ثم إنه يعرف من نفسه هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه، وهي ذاكرته الرحبة القوية فلماذا اذن لا يكون واحداً من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله للأجيال..؟ وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته. فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، راح أبو هريرة يحدث، مما جعل بعض أصحابه يعجبون: أنّى له كل هذه الأحاديث، ومتى سمعها ووعاها.. هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فهو أولاً كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره.. وهو ثانياً كان يحمل ذاكرة قوية، باركها الرسول فزادت قوة. وهو ثالثاً لا يحدّث رغبة في أن يحدّث، بل لأن إفشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته ، من أجل هذا راح يحدّث ويحدّث، لا يصدّه عن الحديث صادّ، حتى قال له عمر يوماً وهو أمير المؤمنين لتتركنّ الحديث عن رسول الله ، أو لألحقنك بأرض دوس) على أن هذا النهي من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاماً لأبي هريرة، بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها ويؤكدها، تلك هي: أن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا، وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقرّ وثبت في الأفئدة والعقول.. من أجل هذا كان عمر يقولاشتغلوا بالقرآن، فان القرآن كلام الله) وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر، ولكنه أيضاً كان واثقاً من نفسه ومن أمانته، وكان لا يريد أن يكتم من الحديث والعلم ما يعتقد أن كتمانه إثم وبوار. وهكذا لم يكن يجد فرصة لإفراغ ما في صدره من حديث سمعه ووعاه إلا حدّث وقال . وعاش أبو هريرة عابداً ومجاهداً.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة. وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه امارة البحرين . وذات يوم اشتد شوقه إلى لقاء الله.. وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه، كان هو يلحّ على الله قائلاً: (اللهم اني أحب لقاءك، فأحب لقائي) وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة. ولبن ساكني البقيع الأبرار جثمانه الوديع مكاناً مباركاً وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته، كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم . ولعل واحداً من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله: لماذا كنّى شيخنا الراحل بأبي هريرة..؟؟ فيجيبه صاحبه وهو الخبير بالأمر: لقد كان اسمه في الجاهلية عبد شمس، ولما أسلم سمّاه الرسول عبدالرحمن.. ولقد كان عطوفاً على الحيوان، واكنت له هرة، يطعمها، ويحملها، وينظفها، ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله . وهكذا دعي : أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه