قيس بن سعد بن عبادة
إعداد :عمران عبد القادر المحمد
إنه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق: لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تطيقه العرب. ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية إن هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم فهو ابن سعد بن عبادة زعيم الخزرج وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه إلى الرسول قائلاً: هذا خادمك يا رسول الله ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والإقدام وهكذا حين نشب الخلاف بين عليّ ومعاوية، نرى قيساً يخلو بنفسه، ويبحث عن الحق من خلال اقتناعه، حتى إذا ما رآه مع عليّ ينهض إلى جواره شامخاً، قوياً مستبسلاً . وفي معارك صفّين، والجمل، ونهروان، كان قيس أحد أبطالها المستبسلين كان يحمل لواء الأنصار وهو يصيح: هذا اللواء الذي كنا نخفّ به مع النبي وجبريل لنا مدد ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته ألا يكون له من غيرهم أحد ولقد ولاه الإمام عليّ حكم مصر. وكانت عين معاوية على مصر دائماً... كان ينظر إليها كأثمن درّة في تاجه المنتظر. من أجل ذلك لم يكد يرى قيسا يتولى إمارتها حتى جنّ جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر إلى الأبد، حتى لو انتصر هو على الإمام عليّ انتصاراً حاسماً. وهكذا راح بكل وسائله الماكرة، وحيله التي لا تحجم عن أمر، يدسّ عند علي ضدّ قيس، حتى استدعاه الإمام من مصر وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمالاً مشروعاً، فلقد أدرك بفطنته أن معاوية لعب ضدّه هذه اللعبة بعد أن فشل في استمالته إلى جانبه، لكي يوغر صدره ضدّ الإمام علي ، ولكي يضائل من ولائه له. فخير رد على دهاء معاوية هو المزيد من الولاء لعليّ وللحق الذي يمثله عليّ، والذي هو في نفس الوقت مناط الاقتناع الرشيد لقيس بن سعد بن عبادة. وهكذا لم يحس لحظة أن عليّا عزله عن مصر. فما الولاية، وما الإمارة، وما المناصب كلها عند قيس إلا أدوات يخدم بها عقيدته ودينه. ولئن كانت إمارته على مصر وسيلة لخدمة الحق، فان موقفه بجوار عليّ فوق أرض المعركة وسيلة أخرى لا تقل أهميّة ولا روعة وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها ونهاها، بعد استشهاد عليّ وبيعة الحسن لقد اقتنع قيس بأن الحسن رضي الله عنه، هو الوارث الشرعي للإمامة فبايعه ووقف إلى جانبه غير ملق إلى الأخطار وبالاً. وحين يضطرّهم معاوية لامتشاق السيوف، ينهض قيس فيقود خمسة آلاف من الذين حلقوا رؤوسهم حداداً على الإمام علي ويؤثر الحسن أن يضمّد جراح المسلمين التي طال شحوبها، ويضع حدّا للقتال المفني المبيد فيفاوض معاوية ثم يبايعه. هنا يدير قيس خواطره على المسألة من جديد، فيرى أنه مهما يكن في موقف الحسن من الصواب، فإن لجنود قيس في ذمّته حق الشورى في اختيار المصير، وهكذا يجمعهم ويخطب فيهم قائلاً :
إن شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وان شئتم أخذت لكم أمانا واختار جنوده الأمر الثاني فأخذ لهم الإمام من معاوية الذي ملأ الحبور نفسه حين رأى مقاديره تريحه من أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة . وفي المدينة المنوّرة، عام تسع وخمسين، مات الداهية الذي روّض الإسلام دهاءه مات الرجل الذي كان يقول: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة)
أجل.. ومات تاركاً وراءه عبير رجل أمين على كل ما للإسلام عنده من ذمّة، وعهد وميثاق.
إعداد :عمران عبد القادر المحمد
إنه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق: لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تطيقه العرب. ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية إن هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم فهو ابن سعد بن عبادة زعيم الخزرج وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه إلى الرسول قائلاً: هذا خادمك يا رسول الله ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والإقدام وهكذا حين نشب الخلاف بين عليّ ومعاوية، نرى قيساً يخلو بنفسه، ويبحث عن الحق من خلال اقتناعه، حتى إذا ما رآه مع عليّ ينهض إلى جواره شامخاً، قوياً مستبسلاً . وفي معارك صفّين، والجمل، ونهروان، كان قيس أحد أبطالها المستبسلين كان يحمل لواء الأنصار وهو يصيح: هذا اللواء الذي كنا نخفّ به مع النبي وجبريل لنا مدد ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته ألا يكون له من غيرهم أحد ولقد ولاه الإمام عليّ حكم مصر. وكانت عين معاوية على مصر دائماً... كان ينظر إليها كأثمن درّة في تاجه المنتظر. من أجل ذلك لم يكد يرى قيسا يتولى إمارتها حتى جنّ جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر إلى الأبد، حتى لو انتصر هو على الإمام عليّ انتصاراً حاسماً. وهكذا راح بكل وسائله الماكرة، وحيله التي لا تحجم عن أمر، يدسّ عند علي ضدّ قيس، حتى استدعاه الإمام من مصر وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمالاً مشروعاً، فلقد أدرك بفطنته أن معاوية لعب ضدّه هذه اللعبة بعد أن فشل في استمالته إلى جانبه، لكي يوغر صدره ضدّ الإمام علي ، ولكي يضائل من ولائه له. فخير رد على دهاء معاوية هو المزيد من الولاء لعليّ وللحق الذي يمثله عليّ، والذي هو في نفس الوقت مناط الاقتناع الرشيد لقيس بن سعد بن عبادة. وهكذا لم يحس لحظة أن عليّا عزله عن مصر. فما الولاية، وما الإمارة، وما المناصب كلها عند قيس إلا أدوات يخدم بها عقيدته ودينه. ولئن كانت إمارته على مصر وسيلة لخدمة الحق، فان موقفه بجوار عليّ فوق أرض المعركة وسيلة أخرى لا تقل أهميّة ولا روعة وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها ونهاها، بعد استشهاد عليّ وبيعة الحسن لقد اقتنع قيس بأن الحسن رضي الله عنه، هو الوارث الشرعي للإمامة فبايعه ووقف إلى جانبه غير ملق إلى الأخطار وبالاً. وحين يضطرّهم معاوية لامتشاق السيوف، ينهض قيس فيقود خمسة آلاف من الذين حلقوا رؤوسهم حداداً على الإمام علي ويؤثر الحسن أن يضمّد جراح المسلمين التي طال شحوبها، ويضع حدّا للقتال المفني المبيد فيفاوض معاوية ثم يبايعه. هنا يدير قيس خواطره على المسألة من جديد، فيرى أنه مهما يكن في موقف الحسن من الصواب، فإن لجنود قيس في ذمّته حق الشورى في اختيار المصير، وهكذا يجمعهم ويخطب فيهم قائلاً :
إن شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وان شئتم أخذت لكم أمانا واختار جنوده الأمر الثاني فأخذ لهم الإمام من معاوية الذي ملأ الحبور نفسه حين رأى مقاديره تريحه من أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة . وفي المدينة المنوّرة، عام تسع وخمسين، مات الداهية الذي روّض الإسلام دهاءه مات الرجل الذي كان يقول: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة)
أجل.. ومات تاركاً وراءه عبير رجل أمين على كل ما للإسلام عنده من ذمّة، وعهد وميثاق.