أبو الدرداء
إعداد : أمين محمد الأحمد
بينما كانت جيوش الإسلام تضرب في مناكب الأرض كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب لم يكن هذا الحكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية كان أبو الدرداء ذلك الرجل ، وهو الذي حمل سيفه مجاهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم ، حتى جاء نصر الله والفتح والآن تعالوا نقترب من الحكيم ويوم اقتنع بالإسلام ديناً ، وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم ، كان تاجراً ناجحاً من تجار المدينة ، وكان قد قضى شطر حياته في التجارة قبل أن يسلم ولقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تلههم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله ، ذلك هو أبو الدرداء ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذه كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية.
وإذ قد آمن بالله وبرسوله إيماناً وثيقاً ، فقد آمن كذلك بأن هذا الايمان بما يمليه من واجبات وفهم هو طريقه الأمثل والأوحد إلى الحقيقة وهكذا عكف على إيمانه مسلماً إلى نفسه ، وعلى حياته يصوغها وفق هذا الإيمان في عزم ورشد ، وعظمة ومضى على الدرب حتى وصل وعلى الطريق حتى بلغ مستوى الصدق الوثيق وحتى كان يأخذ مكانه العالي مع الصادقين تماماً حين يناجي ربه مرتلاً آياته ( ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين) أجل لقد انتهى جهاد أبي الدرداء ضدّ نفسه ، ومع نفسه إلى تلك الذروة العالية إلى ذلك التفوق البعيد إلى ذلك التفاني الرهباني ، الذي جعل حياته ، كل حياته لله رب العالمين والآن تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس.. ألا تبصرون الضياء الذي يتلألأ حول جبينه ألا تشمّون العبير الفوّاح القادم من ناحيته إنه ضياء الحكمة وعبير الايمان ولقد التقى الإيمان والحكمة في هذا الرجل الأوّاب لقاء سعيداً ، أيّ سعيد سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل.. فأجابت (التفكر والاعتبار) أجل لقد وعى قول الله في أكثر من آيةفاعتبروا يا أولي الأبصار) .
وكان هو يحضّ إخوانه على التأمل والتفكّر يقول لهم (تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة) لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على كل نفسه وكل حياته يوم اقتنع بالإسلام ديناً وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم ، وفي خلافة عثمان رضي الله عنه ، وكان معاوية أميراً على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا ، وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته، وزهده ، وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم وكأن أهلها ضاقوا ذرعاً بهذا الذي ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم فجمعهم أبو الدرداء وقام فيهم خطيباً (يا أهل الشام أنتم الأخوان في الدين ، والجيران في الدار ، والأنصار على الأعداء ولكن مالي أراكم لا تستحيون تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون وترجون ما لا تبلّغون وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون فيوعون ويؤمّلون ، فيطيلون ويبنون ، فيوثقون فأصبح جمعهم بوراً....)
ويقول عليه السلام : (تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ، فإنه من كانت الدنيا أكبر همّه ، فرّق الله شمله ، وجعل فقره بين عينيه ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وكان الله إليه بكل خير أسرع من أجل ذلك ، كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول (اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب) سئل وما شتات القلب يا أبا الدرداء ؟ فأجاب ( أن يكون لي في كل واد مال)
يقول رضي الله عنه وأرضاه (إني أبغض أن أظلم أحداً ولكني أبغض أكثر وأكثر ، أن أظلم من لا يستعين عليّ إلا بالله العليّ الكبير) هذا هو أبو الدرداء الحكيم هذا هو أبو الدرداء الزاهد، العابد، الأوّاب.. هذا هو أبو الدرداء الذي كان إذا أطرى الناس تقاه ، وسألوه الدعاء . أجابهم في تواضع وثيق قائلاً ( لا أحسن السباحة وأخاف الغرق) كل هذا ، ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء . ولكن أي عجب ، وأنت تربية الرسول عليه الصلاة والسلام وتلميذ القرآن وابن الإسلام الأوّل وصاحب أبي بكر وعمر، وبقيّة الرجال
إعداد : أمين محمد الأحمد
بينما كانت جيوش الإسلام تضرب في مناكب الأرض كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب لم يكن هذا الحكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية كان أبو الدرداء ذلك الرجل ، وهو الذي حمل سيفه مجاهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم ، حتى جاء نصر الله والفتح والآن تعالوا نقترب من الحكيم ويوم اقتنع بالإسلام ديناً ، وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم ، كان تاجراً ناجحاً من تجار المدينة ، وكان قد قضى شطر حياته في التجارة قبل أن يسلم ولقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تلههم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله ، ذلك هو أبو الدرداء ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذه كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية.
وإذ قد آمن بالله وبرسوله إيماناً وثيقاً ، فقد آمن كذلك بأن هذا الايمان بما يمليه من واجبات وفهم هو طريقه الأمثل والأوحد إلى الحقيقة وهكذا عكف على إيمانه مسلماً إلى نفسه ، وعلى حياته يصوغها وفق هذا الإيمان في عزم ورشد ، وعظمة ومضى على الدرب حتى وصل وعلى الطريق حتى بلغ مستوى الصدق الوثيق وحتى كان يأخذ مكانه العالي مع الصادقين تماماً حين يناجي ربه مرتلاً آياته ( ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين) أجل لقد انتهى جهاد أبي الدرداء ضدّ نفسه ، ومع نفسه إلى تلك الذروة العالية إلى ذلك التفوق البعيد إلى ذلك التفاني الرهباني ، الذي جعل حياته ، كل حياته لله رب العالمين والآن تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس.. ألا تبصرون الضياء الذي يتلألأ حول جبينه ألا تشمّون العبير الفوّاح القادم من ناحيته إنه ضياء الحكمة وعبير الايمان ولقد التقى الإيمان والحكمة في هذا الرجل الأوّاب لقاء سعيداً ، أيّ سعيد سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل.. فأجابت (التفكر والاعتبار) أجل لقد وعى قول الله في أكثر من آيةفاعتبروا يا أولي الأبصار) .
وكان هو يحضّ إخوانه على التأمل والتفكّر يقول لهم (تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة) لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على كل نفسه وكل حياته يوم اقتنع بالإسلام ديناً وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم ، وفي خلافة عثمان رضي الله عنه ، وكان معاوية أميراً على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا ، وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته، وزهده ، وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم وكأن أهلها ضاقوا ذرعاً بهذا الذي ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم فجمعهم أبو الدرداء وقام فيهم خطيباً (يا أهل الشام أنتم الأخوان في الدين ، والجيران في الدار ، والأنصار على الأعداء ولكن مالي أراكم لا تستحيون تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون وترجون ما لا تبلّغون وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون فيوعون ويؤمّلون ، فيطيلون ويبنون ، فيوثقون فأصبح جمعهم بوراً....)
ويقول عليه السلام : (تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ، فإنه من كانت الدنيا أكبر همّه ، فرّق الله شمله ، وجعل فقره بين عينيه ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وكان الله إليه بكل خير أسرع من أجل ذلك ، كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول (اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب) سئل وما شتات القلب يا أبا الدرداء ؟ فأجاب ( أن يكون لي في كل واد مال)
يقول رضي الله عنه وأرضاه (إني أبغض أن أظلم أحداً ولكني أبغض أكثر وأكثر ، أن أظلم من لا يستعين عليّ إلا بالله العليّ الكبير) هذا هو أبو الدرداء الحكيم هذا هو أبو الدرداء الزاهد، العابد، الأوّاب.. هذا هو أبو الدرداء الذي كان إذا أطرى الناس تقاه ، وسألوه الدعاء . أجابهم في تواضع وثيق قائلاً ( لا أحسن السباحة وأخاف الغرق) كل هذا ، ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء . ولكن أي عجب ، وأنت تربية الرسول عليه الصلاة والسلام وتلميذ القرآن وابن الإسلام الأوّل وصاحب أبي بكر وعمر، وبقيّة الرجال